Nombre total de pages vues

jeudi 11 novembre 2010

الصراخ


الصراخ


عدتُ إلى التحديق في لوحتي الأثيرة المعلقة على الجدار.. لوحة إدفارد مونش..

لم تكن اللوحة تقول شيئامحددًا بوضوح..كانت تصرخ في فراغ هلامي قاتم.. يبدو أن الأنامل التي أبدعت هذه اللوحة كانت متعبة، مرهقة من قوانين المسطرة والمدور فآثرَتْ تشردَها العفوي ذاك على استقرار زائف يربت بأستاذية على رأس يملؤه الكبت.

كانت ساذجة، بدائية القسمات، ومن سذاجتها وبدائيتها تستمد كل جمالها..

أجل، لم تكن اللوحة تقول شيئا محددا، لم تكن حِواريةً، و لهذا بالضبط كانت تقول كل شيء.

حولتُ بصري عنها إلى بقية ديكور الغرفة..إلى الثريا المنتقاة، و السجاد الفاخر، ورفوف مكتبتي الإيطالية، وكتبها ذات التجليد الفاخر... أخذ الضباب يحتضن الأشياء، ثم يأتي نحوي، يحتضن وجهي، يفتح حدقتي عينيَّ عنوةً.. ويتمطى داخلي، يبتلع نشوتي الصغيرة.. لم أعد أرى شيئا، لاذت عينايَ من خلال الضباب بجهة اللوحة.. فأخذ الوضوح يعود بالتدريج، ونفضتْ نشوتي الصغيرة عنها بقية الرذاذ.

.. عدت إلى التحديق في اللوحة، الصرخة المعلقة على الجدار..أخذ جسدي يصطبغ بألوانها الناشزة، و يتدثر بإطارها..

لكن حدقتيَّ انزلقتا فجأةً و هوتا إلى قرارة الروح إذ فتَحْتُ سهْوًا أحد أدراج الذكرى فرأيت وجوها قديمةً أغلبها عابسة صامتة، كانت تنضح كرهًا، و ترشح حقدًا.. شعرتُ باختناق شديدٍ فأقفلت الدرج بعنفٍ، و فتحت درجا آخر فرأيت وجهَ طفل تغشاه تقاسيم حزن رجولي.. أقفلت الدرج بيد ميتة، ثم اضطجعت- لأستريح من تعب انحنائي فوق أدراج الذكرى- على سرير الحلم، فرأيت على شاشة الوسادة فتى متوَرّم العروق يمسك بيده فأسا تشبه علامة استفهام ويحفر بها في أرض صلدة، ضاربا كل شبرٍ، كان يحفر..ويحفر..ويحفر علَّ السؤال يتصدّع فتتدفق الرؤيا عبر شقوقه.. لكن رنين الأرض الصلدة كان يتحدى عزيمته فيما يشبه القهقهة.. و كانت عروق يديه تزداد تورّمًا مؤْذنةً بانفجار وشيكٍ.. نهضتُ منتفضا من السرير و أعدتُ حدقتيَّ إلى وضعهما الطبيعي، ثم رحت أتأمل اللوحة الصارخة من جديد..

رأيتُ جسرا من الألوان يمتد بيني و بينها ويمتصني رويدًا.. رويدًا..

..أصبحتُ الآن داخل اللوحة تمامًا.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire