Nombre total de pages vues

mardi 9 novembre 2010

فضة و ذهب


فضة.. و ذهب

حدثنا أبو العلاء المعري عن أبي العلاء المعري قال:

أذكر أن أول هدية لي كانت قماطي، و شيء ذهبي وضعوه في فمي حتى لا أصيح: واعْ ! واعْ! مطالبا بقوتي اليومي.

عندما كبرت قليلا تلقيتُ صفعة بليغة، فصيحة، متقنة، مثقلة بالدروس و العبر و مواعظ الأولين.. و كان السبب الخطير الذي سوغ مثل تلك العقوبة الهينة هو خطأ نحوي عفوي في اللغة الدارجة، لكنني فوجئت بطنين الصفعة يمرق بين فصوص مخي و يستوطن نخاعي الشوكي.

حاولت أن أطرد الطنين فأخذت أتصفح الموسوعة الرسمية الأحادية الحرف ذات التجليد الفاخر و الكتابة المُذهّبة بحثا عن وصفة للطنين و مشتقاته لكنني عدت خائبا من رحلتي الأفقية تلك. لا بد من رحلة عمودية. قصدتُ بحيرة الحبر.. تعريتُ من ثيابي كلها، فالعريُ أيقون الحقيقة كما علمني موتي، و غصت في بحيرة الحبر لأتنخل من أصدافها أشبهها بقلبي و أعلقها على نحري تميمة ضد الطنين... لكنني فوجئت بمدينة ورقية تسحبني إليها من أهداب عيني...

دخلتُ " بار التقوى" فرأيت شيخا جليلا تكسوه مهابة العارفين ، و كان يتوضأ من دنٍّ مترع بخمر معتقة. سلمت عليه و صارحته بهمي:

- يا قطب العارفين! الطنين يحجب عني الطريق..

قال لي:

- لقد صار سمعي قابلا كلَّ ضجَّةٍ

طنينٌ لزيزانٍ و ثغوٌ لحملان

خرجت من " البار" يائسا فوجدت كهلا حكيما يمشي في رواق مستطيل و حوله تلاميذه الذين كان يُرقِّع أمخاخهم المُمزقة بإبرة المنطق. صحت به:

- أيها المعلم! الطنين يمنعني من التفكير..

قال لي:

كل صوت يمكن وقفه

الطنين صوت

إذن فالطنين يمكن وقفه

قلت: كيف؟

حدق فيَّ باحتقار.. ثم عاد إلى تلاميذه المرضى.

استأنفت بحثي عن طبيب و وصْـفة و قد بدأ اليأس يتمكن مني، ففوجئت ب" مرسو"* يصوب نحوي مسدسه الشمسي، و كان يحجب عينيه بيده اليسرى حتى لا يراني لكن مسدسه كان يراني.

- بمْ!بمْ! قال المسدس.

.. و صحوتُ من كابوسي. كنت مستلقيا أمام بحيرة الحبر و يدي ممسكة بالصنارة التي طال انتظارها لصيد. فجأةً اهتزت الصنارة بجذل فرفعتها بوجل، و إذا بصيدي الثمين الذي كلفني انتظارُه كابوسا بحجم عمري..رزمةُ أوراق فضية ناصعة.

لقد تمادى الطنين في وقاحته. و لهذا قررت في لحظة تاريخية أن أقهره، أو أجاريه على الأقل بصفير مواز يخفف من حدته.

شرعت في التصفير، كجندب خجول في البداية، إلا أن صفيري لم يلبث أن أصبح عويلا متهدجا، مُثقلا بذكريات حزينة لها طعم الرماد.. حين يكون الرماد بقية قلب أحرقته الأحزان.

..و تذكرت فتاتي ذات الأساور، تلك التي ظننت يوما أن القدر أرسلها إلي لتصب بياض جسدها الغض في شرايين ضجري..تذكرت ُ كيف خطرت لي فكرة عذبة فشققتُ صدري و أهديتها قلبي الفضي، الدافئ، الحنون فمطت شفتيها استهانة، واستدارت، و ذهبتْ، ولم تعد أبدا.

كان صفيري يتعالى.. يُسامق الطنين و يأخذ بخناقه.. لكنني في ذروة النشوة، حين أينع صفيري كسيف فضي يوشك أن ينغرز في حنجرة الطنين، و جدتني في قفص الاتهام أخاطب القاضي، الذي لم يكن سوى جدي السابع، بصوتي الجريح:

- لماذا أنجبت جدي الأول قبل أن تستأصل نخاعه الشوكي؟

أجابني جدي ساخرا من خلال أسنانه الذهبية:

- مهْ! أوَ أمنع عنه الرحيق و الحرير و اللبن و ولائم الجسد؟ يا لغرابة منطقك !

قلتُ محتجا:

- و لكن العلقم والقار و الشوك و الحرمان أعزُّ نفرًا..

ظللنا نتلاسن، فتحول جدلنا إلى معركة حادة بين الصفير و الطنين ، غير أن قاعة المحكمة كلها تدخلت و ضمت طنينها إلى طنين القاضي فأغمي على صفيري، وكانت " الطنة" الأخيرة التي قصمت ظهره هي التي جاد بها حفيدي السابع.

.. بعد اختتام المداولات رأت المحكمة الموقرة أنني خاطئ و مخطئ و خطأ في تسلسل السلالة، فصدر حكمها النهائي بإعدام صفيري. جاءت مدرعة إسعاف وحملتني إلى ثكنة طبية، ثم أجريتْ لي عملية تجميلية قام خلالها الجراحون بوضع خاتم ذهبي حول حنجرتي.. بعد أن استأصلوا صفيري الفضي.


* *مرسوMersault بطل رواية" الغريب" للكاتب الفرنسي العنصري

" ألبير كامي".


من مجموعتي القصصية " فضة و ذهب"

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire