Nombre total de pages vues

samedi 19 décembre 2009

الموت صمتا- قصة


الموتُ صمتًا




كانت أمامي بكامل زينتها..بعينيها الخضراوين الناعستين اللتين تزينهما أهداب وطفاء و يعلوهما حاجبان أزجان مقوسان كأن يدا صناعا رسمتهما بدقة هندسية، و في وسط وجهها الملائكي أنف إغريقي دقيق أسفله فم صغير ترصِّعُه كرزتان حمراوان و يحيط به خدان مدبوغان بالثلج و النار..

يحمل كلَّ ذلك السحرِ جيدٌ عاجيٌّ لبنيٌّ، و يتوِّجُه شعر كستنائيٌّ مُذهلُ البريق... و كانت ترتدي غلالةً ورديةً، رقيقةً، شفـّافةً، يضيق بها صدرُها العامرُ وردْفها المرحُ.

جالسَةً كانتْ، تضعُ ساقا على ساقٍ فتشفُّ جلستها تلك عن بعض فخذيها و عن كل ساقيها، و بين إصبعين من أصابعها الدقيقة تحمل سيجارة و تدخن بأناقة و بطءٍ.

كانت تحدجني بنظرات باسمة و كنتُ أحدقُ إليها بنظرات بلهاء.

فجأة وقفتْ، اقتربت مني، داعبتْ أرنبة أنفي بإصبعها، ثم مسَّدَتْ شعري بيدها الرَّخْصة و هي تـُدْني وجهها من وجهي شيئا فشيئا.. أحسسْتُ بالعطر النفاذ يغزو مسام جلدي و بالحمرة القانية تعلو خدّيَّ و جبهتي. فارت دماء الرجولة في عروقي الصدئة.. أردتُ أن أفعل شيئا، أن أحيط خصرها بشِمالي و أدُسَّ أصابع يميني في شعرها الذي بدا مضيافـًا، ثم أنتهبَ فمها لثمًا...لكنني لم أستطعْ.. كنت مشلولا تماما ، و ذاهلا إلى أبعد حدٍّ.

طبَعَتْ قبلةً كبيرةً على ذقني الأملس، ثم قالتْ تخاطبني بشيء من نفاد الصبر:

- لقد تأخَّرَتْ كثيرا.. ترى ما الذي أخَّرَها ؟

أردتُ أن أسألها عن تلك التي أقلقها تأخرُها إلى ذلك الحد، و لكن صوتي كان يحتبس دون لهاتي..كنتُ تحت سطوة البريق الأنثوي.

أخذتْ تذرع الغرفة جيئةً و ذهابا و تدخنُ ببعض العصبية..

و حين سمعَتْ قرعًا – مُشَفـَّرًا كما بدا- على الباب، هبَّتْ نحوهُ مُسْرعةً. فتحَتْه ُ، فدخلتْ فتاة زنجية حسناء، غليظة الشفتين، ترتدي ثيابا جلدية حمراء. كانت الزائرة طافحة الأنوثة، جميلة كزهرة متوحشة من زهور الجن.. و سرعان ما احتضَنَتْ صاحبتي و قبَّلتْها في فمها قبلةً شرهةً فـَرْقـَعَ صداها في أعماقي، و هي تكاد تغرز أظافرها- الحمراء أيضا- في جيد صاحبتي الأبيض..

ماذا تفعلان أمامي؟؟؟!!!!

ولماذا تتجاهلان وجودي إلى هذا الحد؟؟!!

حتى أن السوداء لم تكلف نفسها عناء إلقاء تحية عابرة عليّ..

و هذه الجرأة..هذه الوقاحة في اجتراح الشذوذ أمامي..

ما سر كل ذلك؟؟

ألستُ رجلا؟؟

أليستْ لي مهابة الرجال؟؟!!

أردتُ أن أصرخ..أن أنهرهُما.. أن أتقدّم نحوهما فأصفعَ إحداهما و أركل الأخرى.. لكنني لم أستطع، و بدلا من أن يطلق فمي صرخته ظلَّ محتـفظا بابتسامته البلهاء الديوثة..

تعانقتا فوق الأريكة أمام عينيَّ الذاهلتين، و غابتا تماما في بُحران اللذة الآثمة..

السالبُ يعتنق السالبَ..

فيتدفقُ الفيض في الفراغ..

ألا تُدْرك هاتان الحمقاوان الخاطئتان ما هما عليه من ضلال؟!

استجمعْتُ قواي كلها لأنقضَّ عليهما.. لم تطاوعني ساقايَ.. رباهُ! ما هذا العجزُ الأزليُّ ؟! سأقنعُ بالكلام إذن.. ملأتُ رئتيَّ من هواء الغرفة المُدنّس، تكوّرت الكلماتُ العاصفة في حنجرتي.. و أطلقتُ قذيفتي.. لا.. لم ينطلق شيء من جوفي الملتهب، بيدَ أنني فقدْتُ توازني فسقطتُ، أحسسْتُ أن الأرضية الملساء بعيدةٌ جدا عني...

هاأنذا أرتطمُ بها فيتهشّمُ رأسي الدّيوثُ...

و بينما أنا أحتضرُ سمعْتُ صاحبتي تصيحُ:

- آه.. تمثالي الصغير..

.. هدية عيد ميلادي الأخير!!


من مجموعتي القصصية - فضة و ذهب

1 commentaire:

  1. عجبتني المنحوتة استانك بنشرها بصفحتي شكرا مقدما منى

    RépondreSupprimer